الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن مهلك السلطان أبي سالم واستيلاء عمر بن عبد الله على ملك المغرب ونصبه للملوك واحدا بعد واحد إلى أن هلك: كان السلطان قد غلب على هواه الخطيب أبو عبد الله بن مرزوق وكان من خبره أن سلفه من أهل رباط الشيخ أبي مدين كان جده قيما على خدمة قبره ومسجده واتصل القيام على هذا الرباط في عقبه وكان جده الثالث محمد معروفا بالولاية ولما مات دفنه يغمراسن بالقصر القديم ليجاوره بجده تبركا به وكان ابنه أحمد أبو محمد هذا قد ارتحل إلى المشرق وجاور الحرمين إلى أن هلك وربى ابنه محمد بالمشرق ما بين الحجاز ومصر وقفل إلى المغرب بعد أن أسر أشياء في الطلب وتفقه على أولاد الإمام ولما ابتنى السلطان أبو الحسن مسجد العباد ولاه الخطابة به وسمعه يخطب على المنبر وقد أحسن في ذكره والدعاء له فحلا بعينه واستخلصه لنفسه وأحله محل القرب من نفسه وجعله خطيبا حيث يصلى من مساجد المغرب وسفر عنه إلى الملوك ولما كانت نكبة القيروان خلص إلى المغرب واستقر برباط العباد بجبل سلفه بعد أحوال أضربنا عن ذكرها اختصارا.ولما خلص السلطان إلى الجزائر داخله أبو سعيد صاحب تلمسان في السفارة عنه إلى السلطان أبي الحسن وصلاح ما بينهما فسار لذلك ونقمه أبو ثابت وبنو عبد الواد ونكروه على سلطانهم وسرحوا صغير بن عامر في اتباعه فتقبض عليه وأودعوه المطبق ثم اشخصوه بعد حين إلى الأندلس فاتصل بأبي الحجاج صاحب غرناطة وولاه خطابته لما اشتهر به من إجادة الخطبة للملوك بزعمهم وألف السلطان أبا سالم في مثوى اغترابهما من غرناطة وشاركه عند أبي الحجاج في مهماته ولما نزل بجبال غمارة داخل بني مرين والوزراء في القيام بدعوته وكان له في ذلك مقام محمود فرعى السلطان وسائله بولاته القديمة والحادثة إلى مقامه عند أبيه فما استوثق به ملك المغرب استخصه بولايته وألقى عليه محبته وعنايته وكان مؤامره ونجي خلوته والغالب على هواه فانصرفت إليه الوجوه وخضعت له الرقاب ووطئ عقبه الأشراف والوزراء وعطف على بابه القواد والأمراء وصار زمام الدولة بيده وكان يتجافى عن ذلك أكثر أوقاته حذرا من سوء المغبة ويزجر من يتعرض له في الشكاية ويردهم إلى أصحاب المراتب والخطط بباب السلطان وهم يعلمون أنه قد ضرب كل أيديهم فنقموا ذلك وسخطوا الدولة من أجله ومرضت قلوب أهل الحل والعقد من تقدمه: ونفس عليه الوزراء ما ثبت له عند السلطان من الحظ فتربصوا بالدولة وشمل هذا الداء الخاصة والعامة وكان عمر بن عبد الله ابن علي لما هلك أبوه الوزير عبد الله بن عل في جمادى سنة ستين وسبعمائة عند استيلاء السلطان عل ملكه تحلبت شفاه أهل الدولة على تراثه وكان مثريا فاستجار مهم بابن مرزوق وساهمه في تراث أبيه بعد أن حملوا السلطان على النيل منه والإهانة له فأجاز منهم ورفع عند السلطان رتبته وحمله على الإصهار إليه في أخته وقلده السلطان أمانة البلد الجديد دار ملكه متى عنت له الرحلة عنها وأصهر عمر إلى وزير الدولة مسعود بن ماسي تسكينا لروعته واستخلاصا لمودته وسفر عن السلطان إلى صاحب تلمسان في شعبان من سنة اثنين وستين وسبعمائة ونمي عنه أنه داخل صاحب تلمسان في بعض المكر فهم بنكبته وقتله ودافع عنه ابن مرزوق وخلص من عقابه وطوى على البث وتربص بالدولة وأعيد إلى مكانه من الأمانة عل دار الملك أول ذي القعدة مرجعه من تلمسان لما كان السلطان قد تحول عنها إلى القصبة بفاس واختظ إيوانا فخما لجلوسه بها لضيق قصوره بها فلم استولى عمر على دار الملك حدثته نفسه بالتوثب وسول له ذلك ما اطلع عليه من مرض القلوب والنكير على الدولة لمكمان ابن مرزوق من السلطان فداخل قائد الجند غريسة ابن انطول وتعدوا لذلك ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وسبعمائة وخلصوا إلى تاشفين الموسوس ابن السلطان أبي الحسن بمكانه من البلد الجديد فخلعوا عليه وألبسوه شارة الملك وقربوا له مركبه وأخرجوه إلى أريكة السلطان فأقعدوه عليها وأكرهوا شيخ الحامية والناشبة محمد بن الزرقاء على البيعة له وجاهروا بالخلعان وقرعوا الطبول ودخلوا إلى مودع المال ففرضوا العطاء من غير تقدير ولا حسبان وماج أهل البلد الجديد من الجند بعضهم في بعض واختطفوا ما وصلوا إليه من العطاء وانتبهوا ما كان بالمخازن الخارجية من السلع والعدة وأضرموا النار في بيوتها سترا عل ما ضاع منها وأصبح السلطان بمكانه من القصبة فركب واجتمع إليه من حضر من الأولياء والقبائل وغدا على البلد الجديد وطاف بها يروم منها منفذا فاستعصب واضطرب معسكره بكدية العرائس لحصارها ونادى في الناس بالاجتماع إليه ونزل عند قائلة الهاجرة بفسطاطة فتسايل الناس عنه إلى البلد الجديد فوجا بعد فوج بمرأى منه إلى أن سار إليها أهل مجلسه وخاصته فطلب النجاة بنفسه وركب في لمة من الفرسان مع وزرائه: مسعود بن رحو بن سليمان بن داود ومقدم الموالى والجند ببابه سليمان بن نصار وأذن لابن مرزوق في الدخول إلى داره ومضى على وجهه ولما غشيهم الليل انفضوا عنه ورجع الوزير إلى دار الملك فتقبض عليهما عمر بن عبد الله ومساهمه غريسة بن أنطول واعتقلاهما متفرقين وأشخص علي بن مهدي بن يرزيجن في طلب السلطان فعثر عليه نائما في بعض المحاشر بوادي ورغة وقد نزع عنه لباسه اختفاء بشخصه وتوارى على العيون بمكانه فتقبض عليه وحمله على بغل وطير الخبر إلى عمر بن عبد الله فأزعج لتلقيه شعيب بن ميمون بن وردار وفتح الله بن عامر ابن فتح الله وأمرهما بقتله وإنفاذ رأسه فلقياه بخندق القصب إزاء كدية العرائس فأمر بعض جنود النصارى أن يتولى ذبحه وحمل رأسه في مخلاة فوضعه بين يدي الوزير والمشيخة واستقل عمر بالأمر ونصب الموسوس تاشفين يموه به على الناس وذوات الأمور إلى غاياتها ولكل أجل كتاب.
|